Arabic

“دجاجة بلا رأس”

“تضحيتك أفاقت الدنيا كلها على مأساتك ليصحوا أن هناك شعب يستحق الحياة…. فكانت قرة عينك في عين إنفجارك.”

18 مايو 2002

عزيزي جورج،
في الأمس إقتطعت ساعة من و قتي الثمين الذي أصرفه في خدمة بلدي لأستمع لما لدى نائب مساعد وزير الخارجية ليقول.  لقد تأثرت كثيراً بردحه السياسي لدرجة أنه فاتني حتى ملاحظة إسمه.
حُرمت بلدي من خدماتي في الساعة التي ضيعتها إلا أنني عثرت بإكتشاف بالغ الأهمية.  بعد إصغائي لردحه الجدير بعنوان “كلنا اليوم شارون” لا يساورني اليوم أدنى شك بالأسباب التي تجعلنا “نُعنفص” في كل مكان كدجاجة فقدت رأسها.
إن الحضارة التي تناصبها العداء، والتي ندين لها جميعاً بكل ما نملك و به ننعم، بدأت بكلمة واحدة.
هذه الكلمة هي “إقرأ.”

 أول قطعة سنقرأها هي التالي:

رحلة في حذاء إستشهادي

16 بريل 2002
بقلم:  إنسان
تصور هذا المشهد: إستيقظت في منتصف الليل على صراخ شقيقتك الصغرى.  قفزت من سريرك المفرد و الذي تشترك فيه مع إخوتك الأربعة و ركضت خارجاً.  أفاق شقيقك الأصغر و أخذ بالبكاء.  ركضت عائداً تحاول إسكاته ولكنه إستمر في البكاء.  أفاق إخوانك الآخرون.  تسمع عراكاً في الغرفة الأخرى.  أبوك يصرخ و يشتم.  أمك لا صوت لها.  أختك الصغرى تستمر في الصراخ.  الخوف و الألم في صوتها يملؤك رعباً.  تسمع صراخ شخص آخر.  صوت رجل ولكن بلغة غير لغتك.  الرجل يصرخ مجدداً.  قمت أنت فشققت الباب قليلاً لتنظر ما يجري.  قبع إخوانك مختبئين في الزاوية.  أربعتهم كلهم يبكون.  أحدهم وضع يده على فم أصغرهم ليكتم عويله.  مشيت للغرفة الأخرى.  الباب مفتوح على مصرعه.  أطللت برأسك.  تمكنت من النظر للحظة واحدة فقط قبل أن تهوي على رأسك ضربة تسقط على الأرض إثرها مغشياً عليك.  لكن قبل أن تغمض عيناك البريئتان وقعت على ما لا يحتمل النظر إليه.  أمك ملقاة عارية على الأرض ويسيل الدم من رأسها.  لا حراك لها.  متباعدة الساقين في مشهد دموي.  أبوك متكوم على الأرض مكبل اليدين و القدمين.  ينظر إلى الفراش و دموع الرعب تسيل على وجنتيه.  رجل بزي عسكري يقف فوق رأسه مصوباً بندقيته على صدغه.  رمقت الفراش و لكنك جمدت أمام المشهد.  هناك على الفراش إستلقت أختك في الثالثة عشرة من عمرها عارية الجسد تستصرخ أباك لنجدتها حيث يمكث جندي آخر بين ساقيها العاريتين المفتوحتين عنوة.  جندي آخر يحكم إمساكها حول كتفيها و يدفعها إلى أسفل.  تصرخ بأعلى صوتها حتى لم يعد يمكن سماعه.  أنت عاجز عن الحراك.  فات الأوان.  إنقلب كل شيء إلى اللون الأسود.
حتى آخر حياتك تعيش مع هذه المشاهد المروعة.  حيثما نظرت رأيت أناس يرتدون نفس الزي تماماً الذي إرتداه قاتلوا عائلتك.  إلى أي ناصية إلتفت يجب عليك أن تبرز هويتك لأفراد من نفس العصابة.  يُبصق عليك.  تُحرم من التعليم و العمل.  تُجبر على السير في طرقات خصصت لجنسك.  تُسرق أملاكك.  أنت مصنف كمخلوق متدني الدرجة.  كل يوم تسمع قصص حقيقية كقصتك لأناس أمثالك.  أنت محروم من الماء النظيف، و الكهرباء و الكتب و غيرها.  تحضر جنازات لأطفال و نساء و رجال كل أسبوع.  المقابر الجماعية أمر مألوف.  ترى أطفال يموتون لمجرد الإصابة بالبرد و أمهات صغار يتسلل إليهم الموت لعدم وجود مسكنات أثناء الوضع.  التفتيش الجسدي العلني و إغتصاب الأراضي و الإعتقال لدواع سرية كلها تحدث يومياً.  بلدات بأسرها تُجبر على النزوح.  بيوت تُدمر.  ليس لديك ما ترد به على هؤلاء الذي يجلبون الجحيم عليك و على شعبك.  الأسوأ من هذا أن العالم كله يقف متفرجاً على معاناتك.  الحقيقة بادية للعيان.  ملوك و ملكات و رؤساء و رؤساء وزراء كلهم شاهد على مأساتك و مأساة شعبك.  لا أحد يحرك ساكناً.  الجشع، المال، القوة، و النفط يخرسون إحساس العالم بالصواب و الخطأ، الحق و الباطل، أخلاقي و مذموم.  أنت مُتجاهَل.  لا يصغي إليك أحد، و إن أصغى فلا يهتم لأمرك.
تخيل هذه حياتك.  هذا وجودك.  هذا كل شيء عندك.  أنت محروم إجتماعياً و سياسياَ و إقتصادياً و حتى دينياً.  عزفت عن الزواج أو الإنجاب.  تريد أن تجنب الأجيال القادمة أن تعيش مثل معاناتك.  تريد الصراخ. ترغب في البكاء.  تتمنى الإنفجار.  تتوق إلى الموت.  ليس عدلاً أن يحيى الكل حياته و هذه حياتك و لكنك فخور رغم كل شيء.  لا ترضى عن حضارتك و تراثك و أرضك بديلاً و لو بكنوز الأرض.  أقسمت أن تثبت على أرضك و أن  تحميها حتى الموت.  أن تقاوم جلادك وأن تفعل أي شيء مهما كان بسيطاً لكي تجبره أن يرخي قبضته الشيطانية.  أيقنت بانه ليس هنالك سوى وسيلة واحدة.  لا بد من أن تدفع حياتك ثمناً لكي تخلص براءة الأطفال في بلادك على أمل ألا يحيوا حياة كحياتك.  ألا يحرموا مما أنت منه حرمت.  تعلم جيداً أنه لا مخلص لشعبك سواك.  لا تقدر على شيء وحدك.  لكن شعبك بعون الله قادر.  شخص ما يجب أن يكسر حلقة الخوف و الياس المفرغة.  إنسان ما يجب أن يقف في وجه الظلم و الطغيان.  إمتطيت حزامك و عبرت إلى قلب أعدائك و تحقق ما طالما حلمت من إنفجارك.
لأول مرة لم يملك العالم كله أن يتجاهلك.  تضحيتك أفاقت الدنيا كلها على مأساتك ليصحوا أن هناك شعب يستحق الحياة…  فكانت قرة عينك في عين إنفجارك.

واصل القراءة.

نضال صقر
ميامي، فلوريدا