أزمـة الأوطــان بين السلطة و بين الإخــوان

March 24, 2011 by
Filed under: Articles, مقـــالات عربيـــة 

بقلم

نضـال صـقر

في محاضرة عن الشرق الأوسط بجامعة أمريكية عريقة، تطرق المحاضر إلى تحليل نشوء الدولة “الشرق الأوسطية” المعاصرة كنموذج للدولة الهامشية غير الفاعلة.  ثم تحدث المحاضر عن جماعة الإخوان المسلمين حيث وصفها بأنها أوسع الحركات العالمية إنتشاراً، و أرقاها تنظيماً، و أكثرها تأثيراً على صعيد العالم أجمع.

محاضرنا هذا لم يكن عربياً أو مسلماً أو منتمياً إلى جماعة الإخوان المسلمين، و إنما باحثاً أكاديمياً مستشرقاً عمل في عدد من جامعات الشرق الأوسط و الجامعات الأمريكية.  و إن كان وصف الباحث للإخوان يدق نواقيص الخطر لكل من الأنظمة الحاكمة في الشرق الأوسط والقوى الدولية الحريصة على تكريس واقع العجز و الفشل في المنطقة العربية بشكل خاص، إلا أنه يطرح قضية محورية لا يمكن تجاوزها عند الحديث عن واقع الأمة العربية و الإسلامية من جانب و عن السلام و الوئام العالمي من جانب آخر.  و لابد من التنويه بأن أي مناقشة موضوعية لعنوان هذا المقال يحتاج إلى أبحاث تحليلية مستفيضة نحاول هنا التطرق إلى ملامح من بعض جوانبها.

لماذا الإخوان المسلمين؟

نشأت حركة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928 عقب إنهيار الدولة العثمانية و في ظل سقوط المنطقة العربية تحت الإستعمار الغربي.  إستندت الحركة في فكرها على الهوية الحضارية الإسلامية و على محاولة طرح الحل أو البديل الحضاري الإسلامي للمشكلات التي كان يعاني منها المجتمع المسلم.  و إن كان نشوء الحركة مصرياً إلا إن إمتداد نشاطها إلى المنطقة العربية المحيطة بل و إلى الغرب في غضون سنوات قليلة يؤكد على عالمية كل من رسالة الإخوان من جهة و على عالمية القبول و التفاعل مع فكر الإخوان من جهة أخرى.

و إذا إستعرضنا فكر الإخوان من خلال رسائل الإمام المؤسس حسن البنا و أدبيات الجماعة لربما أمكننا توصيف الجماعة بأنها حركة دعوية تربوية إصلاحية نهضوية.  و من الملاحظ أنني تجنبت في توصيفي هذا كل من: دينية، مدنية، إسلامية، سياسية، أو إجتماعية، و ذلك بغرض إستنتاج مدى صحة أي من هذه التوصيفات على ضوء تاريخ الجماعة و تطورها.

ظهرت الدولة العربية المعاصرة بعد إنهيار الدولة العثمانية و هيمنة القوى الغربية على المنطقة العربية، كما و تبلورت الأنظمة الحاكمة للدول أو الدويلات العربية في ظل إحكام الولايات المتحدة سيطرتها على المنطقة و العالم كوريثة للإستعمار الغربي بعد الحرب العالمية الثانية، تخللها ظهور الإتحاد السوفياتي كحاضنة للفكر الإشتراكي في محاولة لمنافسة الفكر الرأسمالي على زعامة النظرية الغربية.

من هنا فإن ظهور جماعة الإخوان المسلمين يسبق ظهور الدولة العربية الحديثة، و بالتالي فإن التجربة الحضارية للإخوان المسلمين تتجاوز تلك للدولة العربية المعاصرة، و هذا بحد ذاته عامل بالغ الأهمية في تقييم التجربة العربية و الإسلامية المعاصرة.

و على الرغم من أن عمر بعض الأحزاب الباقية على قيد الحياة قد يمتد ليقارب عمر الجماعة إلا أن المحدودية القطرية لهذه الأحزاب، و مدى التحول على فكر هذه الأحزاب، و تذبذب علاقات هذه الأحزاب مع الأنظمة الحاكمة بين التبعية و الإندماج، و مدى الفاعلية و الإنخراط في الأوساط الشعبية و الإجتماعية و الفكرية، كلها تؤكد على تفرد الطرح الإخواني كطرح حضاري للتعامل مع أو معالجة المشكلة المعاصرة.

الدولة العربية المعاصرة، كما نعلم، ظهرت كدولة “قطرية-وظيفية” في ظل هيمنة سياسية و ثقافية و عسكرية مباشرة و غير مباشرة على المنطقة العربية.  مفهوم الدولة القطرية-الوظيفية هو مفهوم تكاد تنفرد به المنطقة العربية اليوم، تماماً كظاهرة الدولة العائلية التي تحمل إسم العائلة المنصبة من قبل المستعمر لحكم الدولة المستحدثة.  أما عن مسوغ إنشاء الدولة بنظامها الحاكم فهو خدمة و تكريس المشروع الغربي و مصالح القوى التي أنشأت و ترعى هذه الدولة المستحدثة.

مفهوم الدولة الوظيفية يبين لنا بوضوح جدوى إنشاء الدولة القطرية من قبل المستعمر، كما و يوضح طبيعة العلاقة بين الدولة العربية المعاصرة و بين كل من المشروع الغربي من ناحية و شعوبها المحكومة من ناحية أخرى.  و بطبيعة الحال فإن جميع الهيئات و المنظمات و التجمعات من جامعة عربية أو مؤتمر إسلامي و التي تنبني على هذا التقسيم القطري-الوظيفي الجديد إنما هو تكريس لأهداف و مصالح المشروع الغربي.

نظر الغرب و مازال للطرح الحضاري للإخوان كمنافس للمشروع الحضاري الغربي الذي ينصب على الهيمنة الغربية على الإنسان العربي بفكره و هويته و تربيته و موارده، و من هنا إنبنت العلاقة من جهة الغرب على مناصبة العداء لهذا التيار و محاربته من خلال الدولة الوظيفية أو محاولة إحتوائه و تحجيمه على أقل تقدير.

و لو إستعرضنا بعض التطورات في العقد الأخير على صعيد كل من الواقع الدولي و الدولة القطرية في ظل “الصمود الإخواني” لوجدنا أن “السؤال الإخواني” يطرح نفسه مرة أخرى كثابت يتجاوز التطورات الطارئة بما يفرض ضرورة تقييمه و النظر إليه و التعامل معه بصورة مختلفة من قبل كل من الأنظمة الوظيفية و القوى المهيمنة.

الواقع الدولي:

ما زالت تتربع الولايات المتحدة على عرش الهيمنة العسكرية و الإقتصادية و السياسية و الثقافية كالقوة الأولى على صعيد العالم أجمع.  إلا أن تآكل المؤسسة العسكرية الأمريكية و تورطها في حروب فاشلة في المنطقة العربية و الإسلامية أدت إلى تزعزع الهيمنة العسكرية الأمريكية بشكل قد يثير قلق الأنظمة الوظيفية بمدى قابلية و إستمرار الولايات المتحدة في دعم و حماية هذه الأنظمة الحاكمة.

تراجع الأداء الإقتصادي للولايات المتحدة مقابل النمو الإقتصادي للصين و الهند و البرازيل و تركيا و غيرها، يشكل تهديداً كبيراً للتأثير و النفوذ الأمريكي في العديد من المناطق و التي من ضمنها المنطقة العربية و الدول الوظيفية فيها.

و حيث أن كل من الهيمنة السياسية و الثقافية تستندان بالدرجة الأولى إلى كل من الهيمنة العسكرية و الإقتصادية كمحاور رئيسية للمشروع الحضاري الغربي فإن الواقع الدولي و المؤشرات المستقبلية في المنطقة العربية و العالم تشكل مصدر قلق رئيسي للمنظومة الحاكمة و الغرب و محل إهتمام الباحثين و المحللين على حد سواء.

الواقع العربي:

إتفقنا على أن الدولة العربية المعاصرة هي دولة قطرية-وظيفية.  و على الرغم من التصنيف السياسي للدولة العربية بين ملكية (و تشمل الإمارات و المشايخ و السلطنات) و جمهورية، إلا أن حقيقة الأمر أن جميع هذه الدول تفتقر إلى المرجعية الدستورية، بمعنى أن النظام الحاكم هو المقرر للحياة الإجتماعية و السياسية بما فيها الدستور وليس العكس.

و لو إستعرضنا النموذج الأردني و المصري و اليمني و السوري و الليبي و التونسي و حتى الأميري و السلطني و غيرها لوجدنا “المرونة الدستورية” فيها تجعل دساتيرها من المطاطية ما ينفي عنها صفة المرجعية بدءاً من التقرير الدستوري لآلية إختيار الحاكم و إستخلاف الحكم إلى أبسط القواعد المنظمة و الحاكمة كقوانين الإنتخابات و الحقوق السياسية و الدستورية و غيرها، و هذا بالطبع عدا عن حالة الطوارئ المزمنة المعطلة لأي من الحقوق المنوط بها الشعب المحكوم.

و في ظل واقع العجز و الفشل هذا تحت ظل الدولة العربية الوظيفية المعاصرة، نجد نموذجاً آخر لدولة قطرية وظيفية في المنطقة إستطاعت أن تنتقل من طور الدولة الوظيفية العاجزة و الفاشلة إلى طور  الدولة المتطورة و الفاعلة، و إن كانت هذه الدولة ليست عربية إلا أن إلتصاق تاريخها بالمنطقة، و إلتقائها بالهوية الحضارية و العقائدية لشعوب المنطقة، و إرتباط مصيرها و مصالحها بتلك للمنطقة و تشابه ظروف نشأتها و طبيعة التحديات التي تواجهها و واجهتها إلى حد كبير، كل ذلك يطرح هذه الدولة كنموذج مقارن للحالة العربية.  هذه الدولة بطبيعة الحال هي تركيا.

أما على الصعيد الشعبي أو الشعوب العربية فيغلب عليها حالة يسودها عدم الرضا تترواح بين السخط بين المهمشين و المحرومين من أبناء الشعب، إلى موالاة الأنظمة و تأييدها للحفاظ على المكاسب الذاتية لدى النخب و الأحزاب و الفئات التي ربطت مصالحها بالأنظمة و بقائها.

الحالة الفكرية في الخضم العربي يغلب عليها بطبيعة الحال عدم القبول و الرفض أحياناً للواقع العربي المنهزم، و لا يضير توصيفنا هذا ما تقدمه المنظومة الحاكمة بين الحين و الآخر لبعض من أفرادها بصفة مفكر أو فيلسوف و غيره ينادي بعكس هذا التوصيف.

الواقع الإخواني:

إن النظر إلى الطرح الإخواني بأي منظار غير منظار المشروع الحضاري المتميز يعيقنا عن فهم الطرح الإخواني و إستيعاب أهميته، و هو بالمناسبة المنظار الذي ينظر به الغرب إلى جماعة الإخوان المسلمين و “التأثير الإخواني” كمنافس أو تهديد أو حتى بديل للمشروع الغربي.

مدى صحة و مشروعية التخوف الغربي من البديل الإخواني، إن صح التعبير، هو ما سنحاول التعرف عليه لاحقاً في بحثنا هذا

كما ذكرنا نشأت جماعة الإخوان المسلمين عقب سقوط المنطقة العربية و مجتمعاتها تحت الإستعمار الغربي.  و كانت المنطقة العربية و الحالة هذه ترزح تحت القهر الأجنبي و التخلف الإقتصادي و الإجتماعي من ناحية، و تحت هزيمة ثقافية و حضارية تهدد هوية الشعوب و ماضيها و حاضرها و مستقبلها في آن معاً.

خرجت هذه الحركة من الإطار المحلي إلى القطرية و الإقليمية و العالمية في غضون أقل من عقدين، و إستطاعت من خلال العمل الدعوي و التربوي و الإصلاحي و حتى العمل المقاوم ضد الإحتلال و الإستعمار أن تفرض نفسها كخيار حضاري إجتماعي و سياسي و بديل ينسجم مع حضارة و هوية الشعوب المقهورة في المنطقة العربية في مقابل المشروع الحضاري الغربي المسؤل عن تخلف المنطقة و هزيمتها.

هذا و إن كان فكر الإخوان يستند إلى أصولية عقائدية إلا أن إتساع مفهوم العمل الإخواني ليشمل مختلف مناحي الحياة الإجتماعية و السياسية و المدنية، و تنوع الجيل المؤسس للحركة و أفرادها بين المربي و العالم و الإقتصادي و المفكر و رجل القانون و العامل و الفلاح بل و حتى رجل الدولة و العسكري، و إنخراط و إلتقاء عدد من رموز و مفكري غير الإخوان و غير المسلمين في نشاطات الجماعة و أدبياتها، كل ذلك يؤكد على شمولية و مدنية و معاصرة الطرح الإخواني في مواجهة المشكلة المعاصرة للمجتمعات العربية و المسلمة بل و غير المسلمة على حد سواء.

أما على صعيد العمل فتحتاج التجربة الإخوانية إلى الإلتفات إلى مناح عدة قبل الوصول إلى تقييم موضوعي للعمل الإخواني و نتائجه.


إستناداً إلى فكر و أدبيات الإخوان المسلمين يمكننا إستنتاج أن المشروع الإصلاحي التغييري الإخواني يقوم على أسس عدة:

أولها أن إصلاح المجتمعات العربية المسلمة لا بد و أن يستند على و ينطلق من الأساس العقائدي و الهوية و الرسالة الحضارية الإسلامية، و هي إرث حضاري بناه المسلم و غير المسلم في ظل ما وفره الإسلام من مناخ إبداعي حضاري في ظل الحرية الفكرية و العقائدية و كرامة الإنسان و حقوقه.

ثانيها أن الإصلاح مفهوم شامل متطور لمختلف مناحي الحياة الإنسانية على المستوى الروحي و الإعتقادي و السلوكي، و الحياة الإجتماعية من معاملات و تعاملات و تكافل إجتماعي بين مختلف فئات الشعب و طبقاته و طوائفه، إلى الحياة الإدارية و السياسية و الإئتمان على مصالح المجتمع و الشعب و مقدراته.

ثالثها أن التغيير و الإصلاح لا بد و أن يستند إلى إستيعاب و مراعاة الحالة الراهنة للمجتمع و الإلتفات إلى المرحلية و ما تتطلبه من صبر و مثابرة و تفهم.

رابعها حرمة الإنسان و الدين و العقيدة و ما يستتبعه ذلك من نبذ و رفض اللجوء إلى وسائل العنف و القوة في التغيير بما فيها الثورات و الإنقلابات.

بطبيعة الحال فإن تفعيل فكر شامل، و ليس شمولي، يحتاج إلى عملية دؤوبة من تربية الأفراد لبناء الأسرة و المجتمع ثم بناء المؤسسات، و من ثم فإن العملية الإصلاحية أو التغييرية في الفكر الإخواني تستند إلى منهجية تربوية في المقام الأول للوصول بالمجتمع من الحالة الراهنة إلى الحالة المنشودة.

هذه الحقيقة إستوعبها تماماً زعماء الدولة العربية المعاصرة حيث إنخرط بعضهم في صفوف الإخوان في فترة من الفترات قبل الوصول إلى الحكم، بل و وصل بعضهم إلى السلطة إما بدعم الإخوان أو من خلال “بالتمسح” بالإخوان و ذلك لإكتساب الشرعية الشعبية التي تمكن الزعيم من ترسيخ حكمه.


أما عن كيفية تعامل الأنظمة مع الإخوان فتباينت من محاولة التعايش، إلى محاولة الإحتواء، إلى الصدام.

نظراً لأن الوصول إلى السلطة من خلال الإنقلابات أو الثورات هذه لم يكن نتيجة طبيعية للتحول الإصلاحي المتدرج، رأى الزعماء الثوريون من العرب في الإخوان مصدر تهديد لحكمهم فكان أول إنجازات الحكام الثوريين ملاحقة و تقويض البنى و الآليات التربوية التي تعتمد عليها الجماعة في الإصلاح و التغيير، في حين غلب التعايش و محاولة الإحتواء على علاقة الأنظمة الحاكمة في دول ملكية أخرى، و إن إشتركت غالبية الأنظمة في محاولة محاصرة و تقويض العملية التربوية داخل الجماعة.

إنعكست “حرب الأنظمة” على الإخوان بإفراز تجارب متباينة في فترات مختلفة و من دولة إلى أخرى.  إلى أن الثابت من التجارب جميعها بأن التجربة الإخوانية في الإدارة و العمل الإجتماعي و العام لاقت من النجاحات و التأييد، و تمتعت بالنزاهة و المصداقية، ما لم ترتقي إليه تجارب الحكم و التي إتسمت بإدمان العجز و الفشل.

بل رأينا تجارب في الحكم المحلي و التمثيل النيابي في الأردن و فلسطين، على سبيل المثال، تمتع مرشحين الإخوان في مناطق الغالبية غير المسلمة بشعبية تكاد تتفوق على شعبيتهم في بعض المنطق ذات الغالبية المسلمة.

أما على صعيد تجارب النقابات المهنية و المنتديات التي تتوفر فيها حرية نسبية للإختيار فيكاد يكون معظمها أو كلها من نصيب أفراد من الإخوان المسلمين، و يبرر هذه الشعبية التجربة العملية لأعضاء هذه التجمعات في الأداء المقارن للقيادات “الإخوانية” من جهة، و القيادات من التيارات الأخرى و الإدارة الحكومية من جهة أخرى.

هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى فقد أدى تقويض القواعد التربوية للإخوان إلى تشجيع فهم بعض أدبيات الإخوان و لكن في إطار منهجي مخالف للجماعة، و المسؤل هنا بالدرجة الأولى عن التجارب التي إستخدمت العنف إما الأنظمة المستبدة التي قوضت قنوات التربية و الفهم “الرشيد” للحل الإصلاحي، أو القوى الخارجية التي حرصت على قمع أي تيار تحرري، أو كليهما.

مفترق الطرق:

تقبل المنطقة على أجواء تغييرية بين حكام على حواف قبورهم، و بين أنظمة أفلست بعد إدمان العجز و الفشل، و بين منظومة دولية متآكلة و مهترئة، و بين جماعات و تيارات و أحزاب يتنازعها مصلحة الوطن و مصلحة قياداتها، و بين جماعة الإخوان المسلمين التي يتنازعها خيارات أحلاها بالغ المرارة.

على عكس الأحزاب و التيارات، ينظر المجتمع إلى الإخوان المسلمين كإرث عام للمجتمع ككل بغض النظر عن إنتماءاته و تياراته.  ففي حين إعتاد المواطن العربي على أن يتخذ الحزب موقفه من السلطة تبعاً للمصلحة الضيقة للحزب، يعول الجميع على جماعة الإخوان المسلمين أن تحدد موقفها من النظام على أساس المصلحة العامة و مصلحة لوطن، بل و يعتبر كل مواطن أن من حقه تقييم موقف الإخوان من السلطة سلباً أو إيجاباً.

و لتقييم تجربة العمل السياسي للإخوان سواء الحزبي أو غير ذلك، لا بد من التأكيد على أن التجربة البرلمانية و حتى المحلية في الدولة العربية المعاصرة لم ترتقي في ظل منظومة الحكم الشمولي و “المطاطية” الدستورية إلى مرحلة المشاركة في الحكم.

و بالتالي فإن خوض الإنتخابات البرلمانية من عدمه في ظل هذه المنظومة لا يعدو كونه إختبار لمصداقية ساقطة مسبقاً عن النظام الحاكم في السماح للشعب بإختيار ممثليه بحرية و شفافية.

في ظل إنسداد الأفق السياسي و إنعدام مجالات العمل السياسي، يرى فريق من الجماعة بوجوب إستغلال أي مساحة من العمل لخدمة المشروع الإصلاحي حتى لو كان ذلك من خلال المشاركة في مسرحية إنتخابية هزلية معروفة النتائج مسبقاً.

و إذا إتفقنا على أن التغيير إنما هو من سنن الخلق و طبيعة الأشياء، و أن دوام الحال من المحال، فإنه لابد من التمرس و الإستعداد لما بعد التغيير الذي هو قادم لا محالة.

البديل الإخواني:

على مدى السنين و في العديد من اللقاءات مع أكاديميين و مسؤولين غربيين و أمريكيين لمناقشة قضايا المنطقة و أحداثها، كثيراً ما يتطرق الحديث إلى ما يسمونه “البديل الإخواني” و هذا في رأيي هاجس مصطنع عمل على تغذيته و الترويج له الأنظمة العربية الحاكمة كفزاعة لحث القوى الغربية على دعم هذه الأنظمة و إستبدادها.

الخلل في طرح ما يسمى البديل الإخواني ينبني على جوانب عدة:

أولها تشويه صورة البديل الإخواني من قبل الأنظمة الحاكمة و الإعلام الحكومي من خلال التضليل و تقديم معلومات مغلوطة عن المشروع الإسلامي و أهدافه، بل و أحياناً إختلاق و تلفيق التهم لأفراد و قيادات من الإخوان المسلمين لتغذية الخوف منهم.

ثانيها أن الفكر الإخواني في غالبيته ينصب على مرحلة التحول الإصلاحي و التربوي الإجتماعي و نادراً ما يتطرق إلى قضايا الحكم و إدارة شؤن الدول و الشعوب، بمعنى أن المشروع الإخواني حتى اللحظة لم يتعدى مرحلة المشروع الإصلاحي إلى مشروع الحكم.

ثالثها أنه و على الرغم من التجارب الناجحة “المحدودة” للإخوان في الإدارة و الحكم المحلي و الرقابة التشريعية، إلا أن الحكم عملية معقدة تحتاج لخبرة و مراس و نضوج لا بد و أن يتاتى بالعمل.

و لقد سبق و أن طرحت على المعنيين في الإدارة الأمريكية و غيرها في مناسبات عدة على أنه كما أتيحت للأنظمة و الأحزاب فرصة الحكم و التمرس فيه، فلا بد من إعطاء الفرصة للقوى و الإتجاهات الأخرى بما فيها الإخوان لممارسة الحكم و التمرس فيه طالما وصلت هذه القوى إلى المشاركة في الحكم من خلال إنتخابات حرة و نزيهة.

يخطئ من يظن أن من بلغ من السنين عتياً من حكام العرب أو من مل الكرسي و مله الكرسي، لا يفكر كأي واحد منا في اليوم الذي يزول فيه عن الكرسي أو يزول عنه الكرسي.

كما يخطئ من يظن بأن إستمرار أنظمة الحكم و إستقرارها في الدولة القطرية الوظيفية العربية لا يشكل قلقاً و أرقاً أكبر لدى صانع القرار الغربي و الأمريكي.

و نعلم جميعاً أن الظلم و الفساد و الفشل في تحقيق الحكام لتطلعات شعوبهم هو المنغص الأكبر لحياة الشعوب و العائق الأكبر أمام نهضتها و تطورها.

و هنا تظهر المصلحة و القواسم المشتركة لدى كل من القوى المهيمنة و الأنظمة الوظيفية الحاكمة و الشعوب في التحول إلى حكم كفؤ رشيد.  هذا التحول يتطلب بالضرورة إفساح المجال للقوى الوطنية و المخلصة من الإخوان و غير الإخوان للإضطلاع بمسؤلياتها في حل مشاكل شعوبها و التمرس على إدارة شؤنها.

كما أن هذه المصلحة و هذه القواسم المشتركة تتطلب بالضرورة صيانة الحقوق و الحريات و إفساح المجال للإخوان و غير الإخوان لممارسة مناهجها في التربية و الإعداد لحفز الإصلاح الإجتماعي الذي هو أساس أي تقدم و تنمية و مدنية، و ذلك كبديل للعنف في مواجهة الظلم و الإستبداد.

ملحوظة: تم  أول نشر لهذا المقال في 10/10/2010، و يعاد نشره لصلته بواقع اليوم و غداً.

Comments

Comments are closed.