واقع الأمة: بين أزمة العولمة و عولمة الأزمة

April 24, 2008 by
Filed under: Articles, مقـــالات عربيـــة 

عندما يصبح الوعي ترفاً!!! (الجزء الأول)

بقلم د. نضال صقر

 

نحاول في هذه المقالة التعرف، في عجالة، على إشكالية الوعي و أثرها على الأزمات المعاصرة.  الجزء الأول من المقالة هو محاولة لتشخيص إشكالية الوعي.  و نتعرف في الجزء الثاني “حتى لا يصبح الوعي ترفاً” على سبل الخروج من الإشكالية و معالجة هذه الأزمات.

إن المتابع لأحوال هذا الزمان يخلص إلى نتيجة مفادها أن الأزمة أصبحت ظاهرة ملازمة مألوفة لجميع أحوال المجتمعات و الشعوب، و على مختلف المستويات، حتى أصبحت صفة غالبة بدلاً من أن تكون مجرد حالة إستثنائية.

أما مظاهر هذه الأزمة و أبعادها فأصبحت من الشيوع حيث لم يعد إدراكها قاصراً على نخبة فكرية أو ثقافية، أو على مرحلة عمرية أو طبقة إجتماعية أو إقتصادية بعينها.  بل و إن الأزمة تخطت حدود الجغرافيا و الثقافات حتى باتت ظاهرة عالمية شمولية.

 

تنعكس آثار هذه الأزمة بأشكال عدة أهمها الضيق في العيش، حتى أصبحت لقمة العيش و رغيف الخبز ترفاً عند الملايين من شعوب الأرض، بل و في دول كانت حتى عهد قريب في مصاف زعامة العالم المتحضر و نماذج لسلات الأمن الغذائي.  كما و تنعكس هذه الأزمة في تفشي الأزمات النفسية و الجرائم غير المبررة و إنتشار الصراعات و النزاعات.  أما على صعيد المؤسسات فنجد الأزمة تتجلى في هامشية أدائها و تدني كفاءة العاملين بها. و يمكننا إجمال هذه الأزمات و إنعكاساتها بتفشي ظاهرة الفشل.

لو نظرنا إلى واقع اليوم سواء على مستوى المجتمعات المحلية او على مستوى الدول و المجتمع الدولي فإنه يمكننا القول أن البشرية تعيش اليوم أزمة صراع و صدام، و تكاد تختفي أية مظاهر للتعايش السلمي و الوئام.  هذه الظاهرة و إن إختلفت في تفاصيلها إلا أنها اليوم سائدة في كثير من المجتمعات، من إرتفاع في معدلات الأزمات النفسية و الجرائم إلى إنتشار الإضطرابات و الحروب و الإنتهاكات و الإجتياحات.

 

و لعله من اللافت للنظر أن كثير من الكتابات التي تحاول إستقراء أو معالجة هذه الظاهرة إنما يشوبها دافع أيديولوجي أو عقائدي يهدف لتكريس الأزمة و ترسيخها، كمقدمة لتذكية نظرية الصراع و الصدام، مما يؤكد بأن بعض القوى السائدة اليوم قد تبنت الصدام و الصراع كإستراتيجية للحفاظ على مصالحها و تنمية هذه المصالح.

كما يلاحظ إنشغال بعض الكتاب و المفكرين في إستعراض جوانب الأزمة و الإستغراق في تفصيل مظاهرها دون توجه حقيقي نحو تحليل و نقد الظاهرة و أبعادها و الأسباب الكامنة التي أدت إلى ظهورها، و من ثم محاولة وضع تصور تحليلي و شمولي لكيفية معالجة الأزمة للخروج منها بدلاً من مجرد الإستغراق في معالجة أعراضها.

من هنا، و في قراءة أولية لمحاولة تشخيص الأسباب العضوية لظاهرة الأزمة فلا بد من الإشارة إلى أن الأسباب الكامنة تختلف و تتعدد تبعاً لأبعاد الأزمة، و إن كان يتراءى لي وجود نوع من النمطية في الأسباب من تجربة لأخرى مع الفارق في خصوصية كل تجربة.

 

أما فيما يتعلق في التباين و التمايز الحضاري بين المجتمعات، فيبدو أن بعض المجتمعات تتحمل مسؤوليات تتجاوز تخطي أزماتها الخاصة بها لتشمل المسؤولية عن الإسهام في حل أزمات غيرها من المجتمعات.

 

تشخيص الأزمة:

و لعله يمكن تلخيص أهم و أخطر مستويات الأزمة في ثلاثة مستويات:

أولاً:  أزمة الوعي.

ثانياً:  أزمة المسؤولية.

ثالثاً:  أزمة القيادة.

 

تعتبر أزمة الوعي أم الأزمات، حيث يتولد غياب الوعي عن عدم الإدراك و الفهم العميق للواقع.  و يترتب على غياب الوعي قصور في تصور حجم المسؤولية و أبعادها، و الإستهتار بخطورة و عظم أعباء القيادة، فيكون الإهمال و الإستهتار سبباً في ظهور قيادات قاصرة تقبل على تولي القيادة و المنازعة عليها في حين تعجز هذه القيادات عن التصدي للتحديات مما يؤدي بدوره إلى تفاقم الأزمات.  و من الملاحظ أن القصور في القيادة ظاهرة عالمية شاملة حيث لا تقتصر على قيادات الدول و الشعوب فحسب، بل تتعدى كل ذلك إلى مستوى المؤسسات و المنظمات، بل و على مستوى الأسر و العائلات.

و لعله لا يختلف في تشخيصنا لأبعاد الأزمة هذا إثنان، حيث يسود عدم الرضا عن القيادة و الثقة بأهليتها في الكثير من بقاع االعالم.  و لو إقتصر التقييم على مدى خدمة المصلحة العليا للشعوب و الجماعات لوجدنا أن البلاد التي تحظى قياداتها برضا الأغلبية من شعوبها لا يتجاوز عددها أصابع اليد، و ذلك على الرغم من أن كثير من هذه القيادات وصلت إلى كراسي الحكم بوسائل ديموقراطية، سواء كانت هذه الديموقراطيات فعلية أو صورية.

كذلك الأمر لو إستعرضنا كفاءة الإدارة على مستوى المؤسسات و المنظمات لوجدنا نسبة قليلة من مجموع المؤسسات و المنظمات يتمتع بهذه الكفاءة، بل و تجد المؤسسات أكثر حرصاً على الإستئثار بنجاحاتها دون إفادة غيرها بما لديها من خبرات.

أما على صعيد الأسر و العائلات فأصبح الإهتمام بالنشئ و تربيته مسؤولية تعزف الكثير من الأسر عن الإلتفات إليها، و يلجأ بعضها إلى مؤسسات التعليم لتربية أبنائها بالوكالة عنها، و قليل من الأسر من يمارس دوره في تربية وإعداد الأبناء.

 

و لعله في الحكمة العمرية: “كيفما تكونوا يولى عليكم” الكثير من الدروس و العبر لفهم ظاهرة القيادة و العلاقة العضوية بين القائد و التابع، أو بين الحاكم و المحكوم.

و إن كان يحلو للبعض تصنيف الدول كنخب حاكمة و محكومين، فإنه لمن المفيد الإشارة إلى أن مصطلح النخبوية يستخدم هنا مجازاً للدلالة على السلطوية، حيث يندر أن تتمتع القيادة بإدراك أو وعي أو ثقافة بالتحديات التي تواجه مجتمعاتها كذلك الوعي الذي يتمتع به المحكوم.  بل إن الإصرار على إستغلال مكاسب السلطة و الترف و الإنعزال عن المجتمع غالبا ما يؤدي إلى إنفصام القيادات عن تلمس و إدراك ما تعيشه و تعانيه الشعوب.

 

و إذا أدركنا بأن طبيعة الحياة هي عدم الديمومة و الزوال، أيقننا بأن أية مزايا أو مكاسب آنية تتمتع به القيادة هو بحد ذاته أزمة و تحدي للقيادة نفسها، لا تلبث أن تجني ثماره و تعيش نتائجه.

من هنا فإن المقولة بدوران تجربة الحكم حيث تبدو عملية السلطة و تدوالها كحلقة مفرغة من تناوب الفشل، إلى حد ما صحيحة.  حيث يتحمل كل من الحاكم و المحكوم مسؤولياتهما و بصورة تكاد تكون حتمية، فإن أساء المحكوم في تربية أسرته نشأ جيل غير جدير بتحمل المسؤولية، يفرز بدوره قيادات تسيء إستغلال السلطة، مما ينعكس على أزمات للشعوب تنعكس على منجزات و مصير القيادة نفسها.

و هنا لا بد من التطرق إلى مفهوم الإسترعاء أو الإستخلاف، إذ أن المسؤولية و إن وقعت على الراعي فأنها بمثابة إلتزام تجاه الرعية، و تتعداها لسائر أفراد المجتمع دون أفراد الرعية.  و كما أن الأمور إنما هي بأسبابها و مسبباتها، فكذلك المسؤولية فهناك من يحملها  و هناك من يتحملها.

 

و لا أجد أجمل من التعبير القرآني في قول الله سبحانه: “إنا عرضنا الأمانة على السماوات و الأرض و الجبال فأبين أن يحملنها و أشفقن منها، و حملها الإنسان، إنه كان ظلوماً جهولاً” في تبيان إفتتان الإنسان بنفسه حين يتصدر لحمل الأمانة على عجزه و ضعفه، و ما ذلك إلا لجهله و ظلمه لنفسه و لغيره.

 

و الجهل نقيض الوعي كما الظلم نقيض العدل.  و القصور في تحمل المسؤولية، و قبول حملها مع العجز عن أدائها، لهو عين الجهل و عين الظلم.

 

و إن من أجمل ما ورد في تبيان هذه الحقيقة قصة الأعرابي الذي سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الساعة فأجابه: “إذا ضُيعت الأمانة فانتظر الساعة، فقال الأعرابي: فكيف إضاعتها يا رسول الله؟! قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فإنتظر الساعة”

 

و قبل أن يسارع أي منا إلى إعفاء نفسه من المسؤولية عما آلت إليه أحوالنا، لا بد من أن نتذكر جميعاً قوله صلى الله عليه و سلم: “كلكم راع، و كلكم مسؤول عن رعيته”.

من هنا فإن أول الخطوات نحو الوعي و الإدراك لا بد و أن تبدأ بأن يتعرف كل منا على رعيته، و موضع و حدود مسؤوليته.  ثم، بإذن الله، يكون لنا لقاء في الجزء الثاني بعنوان: “حتى لا يصبح الوعي ترفاً”

 

Comments

Comments are closed.