مصـــر: بين فلول الثــــــورة و فلول النظام

May 28, 2011 by
Filed under: Articles, مقـــالات عربيـــة 

 

بقلم: نضـــال صـــقر

شهدت مصر في جمعة الغضب الثانية، مع إعتراضي على التسمية، عرساً ديموقراطياً بهيجاً يضفي على ثورتها رونقاً و تألقاً.  الحضور اللافت و الأداء الحضاري في الإحتفالية و التعبير الديموقراطي الحر و تأمين الفعاليات كلها ذكرتنا بالأيام الحلوة التي عشناها في ثورتنا، و التي قلما نسترجعها دون أن تدمع أعيننا لها شوقاً و حنيناً.  و لا يفوتني أن أسجل هنا شكري و تهنئتي إلى كل القوى و الجماعات والأفراد الذين شاركوا جميعاً  في تجديد الأمل في نفوسنا، و تأكيد الثقة التي ولدتها الثورة لدينا جميعاً بتحضر و أهلية و جاهزية مصر، كل مصر، للمضي قدماً في المشروع الحضاري للثورة كنموذج لجميع شعوب العالم التواقة للحرية و الكرامة.

كما و أضرع إلى صانع الثورة و صاحب الفضل فيها، الله وحده، بالحمد و الثناء على حفظ شبابنا و كل مصرنا من كل سوء، بعد أن إنتاب البعض منا الكثير من المخاوف على أمنهم و سلامتهم، نظراً لما تعانيه البلد من إختراقات خطيرة.

الثــورة كمشروع حضاري:

إن إندلاع الثورة المصرية كان له صدى تحرري لدى مختلف شعوب الأرض من مشارقها إلى مغاربها، و لم تنج من هذا التأثير أكبر القوى في العالم بما فيها الصين و الولايات المتحدة نفسها، و بذلك تفوقت الثورة المصرية حتى على الثورة الفرنسية كمصدر إيحاء و إلهام، لا لشيء و إنما لتحضرها و مدنيتها و سلميتها و قبل كل ذلك لإنسانيتها.  و إنسانية الثورة المصرية هذه ليست إلا إنعكاس للإنسان المصري و رقي معدنه.

إذا كان الحال كذلك فكيف نقرأ ما حدث و يحدث في الساحة المصرية منذ تنحي النظام؟ و كيف نقيم الأداء المصري للثورة المصرية كمشروع حضاري في تلك الفترة؟

لا شك بأن أداء الثورة كمشروع تحول حضاري و مصدر إلهام لشعوب الأرض أصابه تراجع كبير في فترة ما بعد التنحي.  و أن الكثيرين من المنبهرين بالثورة المصرية أصابهم نوع من الإحباط و خيبة الأمل.   و لا شك أن الإنكفاء على الذات الذي حدث لمصر لأسباب عديدة كان عاملاً في خلق الفراغ السياسي و الإستراتيجي الذي لا يمكن أن يشغله سوى مصر، و الذي كان نتيجيته تفاقم الأزمات الليبية و السورية و اليمنية و غيرها، و التي لو لا إنشغال مصر الثورة بمشاكلها الداخلية لتمكنت مصر من لعب دور حاسم في حل الكثير من الملفات، و تحقيق المزيد من النجاحات المبهرة كالذي أنجزته في المصالحة الفلسطينية، و لأمكننا تجنب المزيد من إراقة الدماء و إزهاق أرواح أشقائنا في هذه البلاد المكلومة.

عدم إستشعار هذه المسؤلية الحضارية لمصر الثورة هي و لاشك عامل رئيسي في إنشغالنا بأمور ثانوية لا ترقى، باي حال من الأحوال، إلى أن تذهب بعيداً بروح الميدان عن كل منا، و تشغلنا عن بني جلدتنا المستنجدين بنا، و عن بني الإنسان الذي يتوق إلى الإنقياد وراء مشروعنا الحضاري و الإنساني في مختلف بقاع الأرض.

أنا هنا لا أعيب على الشباب و الحديثي عهد بحرية، فهؤلاء الأبطال ما زالوا يتدرجون في مسالك الوعي و السياسة و يتعلمون أبجدياتها.  أنا هنا ألقي المسؤلية كل المسؤولية و أعلن أن العيب كل العيب هو في النخب السياسية و الإجتماعية و الثقافية و الإعلامية و القيادات الشعبية و الدينية التي مافتئت تنقل إلينا أمراضها المستفحلة، بعد أن نفضت الثورة عن المجتمع المصري أمراض النظام و مساوءه.

و أنا هنا أتوجه إلى هؤلاء النخب و الرموز و القيادات و أعلنها بوضوح: إما أن تكونوا جميعاً على مستوى المسؤلية الحضارية للثورة و تعلوا جميعاً مصلحة المشروع الوطني و الحضاري، أو لا تكونوا و أفسحوا الساحة لمن يغسل غمة الوطن.

فلول النظام:

فلول النظام هنا هو ليس المصطلح الدارج الذي تعودنا تكراره كمصطلح عائم.  فلول النظام هنا هو كل من تأثر بالنظام بأي درجة من التأثير، و إستمر يعمل أو يفكر أو يتحدث أو يتفاعل تحت هذا التأثير بعد تنحي النظام.  تعريفي هذا بالغ الأهمية، فهو يعني كل من يشكل إستمرارية للنظام بأي شكل من الأشكال كانت هذه الإستمرارية.  و الخطورة هنا أن هذا التعريف يعني أننا جميعاً فلول النظام بصورة أو أخرى.  و الأخطر في الأمر أن أكثرنا تورطاً في النظام هو بطبيعة الحال أكثرنا رفضاً و إصراراً على رفضه لهذه المقولة، و على تبرئة نفسه من تهمة “فلولية للنظام.”

قام النظام البائد على الفساد و الإفساد، و على الوقيعة و الإستقطاب، و على التخوين و التشكيك و الفزاعة و غيره من الأساليب الخسيسة لتمزيق النسيج المصري و إفساد معدنه.  و كان أهم معجزات الثورة هو تطهير الروح المصرية من الشوائب التي صنعها النظام، فتوحدت القلوب و إستقامت الصفوف و تسامت الأرواح، فإنتفت التفاهات و السفاسف، و تعالينا جميعاً فوق صغائر الأمور.

نحتاج كلنا لوقفة مع النفس لا نصدق فيه سوى صانع الثورة الأوحد، خالقنا جميعاً، هل نحن كمصريين الآن نفس المصريين الذين أعادوا صياغة التاريخ في الميدان؟ هل نحن حقاً إيد واحدة كما كانت هويتنا في الميدان؟ و لو نظرت في نفسك هل تشعر بالإيمان و الثقة بالنفس و إحترام الذات كالتي شعرت في الميدان؟ و عندما تهتف الآن، أياً كان هتافك، هل تستشعر روحانية الإعتقاد بهذا الهتاف كما إستشعرت في الميدان؟

إذا كان جوابك بنعم لأي من هذه الأسئلة فأنا أجزم أنك لا تهنأ بنومك على فراشك الوثير اليوم قرير العين كما هنئت في لحظات الغفوة التي إسترقتها أيام الجمل و غيرها من أيام و ليالي الميدان على الرصيف، أو على الأسفلت، أو على الطين الرطب في حدائق الميدان.

أما إن كان جوابك مثلي بالنفي، ألا يجدر بنا أن نعرف ما الذي جرى لنا لعلنا نسترجع هذه الروح التي ذقنا لها حلاوة و كأنها عبق من الغيبيات، أو نفحة من جنة نؤمن بها و لم نراها؟

إن ما أفسد روحنا هو لعنة مبارك التي أصابتنا عندما  أصبحنا نخوض في أمورنا تماماً كما كنا نخوض بوحي مبارك لا بوحي ثورتنا.  عندما إنشغلنا بتفاصيل لا تعني الكثير في مجمل اللوحة المبهرة لثورتنا المجيدة.  عندما إختلفنا لمجرد الإختلاف بغض النظر عن مدى تطابق ما نقول مع إختلاف الصياغات، و عندما أصبح التقديم و التأخير مقدم على الوطن و مشروع الوطن و حلم الوطن، الذي سالت لأجله الدماء و صعدت من أجله الأرواح.

لم تكن الثورة و لن تكون من أجل مجرد دستور أو رئيس أو حتى إستفتاء، فهذه الأمور جميعها في خضم المشروع الإنساني للثورة لا تعدو مجرد صغائر أمور لم تستحق منا كل هذه التضحية و الجهد و العناء.

ثورتنا أيها السادة ما إنتفضت إلا إنتصاراً لكرامة الإنسان، إعلاء للحرية و تحطيماً لقيد السجان، و قبل كل ذلك و بعده تقرباً إلى الواحد الديان.

تطهير فلول النظام:

التعامل مع فلول النظام لا يكون إلا بالتطهير، و تعتمد درجة و نوعية التطهير المطلوب على أي نوع من فلول النظام هذا الذي نتعامل معه:

أولاً: المفسدون و هم المسؤولون عن إفساد الحياة السياسية و الإجتماعية و الإقتصادية و الثقافية،

و تشتمل مستويات التطهير للمفسدين على:

1. الإقصاء و العزل: و هو الإجراء الذي لا يمكن القبول بأي تأجيل أو تباطؤ فيه، و يشتمل على كل ما هو موجود من المفسدين في أجهزة الحكم على مختلف مستوياتها من محافظين و محليات و إعلام و داخلية و أمن و بنوك و أجهزة رقابية و غيرها.

2. المحاكمة: و هي المساءلة القانونية عن كل الجرائم التي إرتكبها هؤلاء المفسدون بحق الشعب، و هي عملية لها شروط و متطلبات يجب الوفاء بها جميعاً بشكل قانوني و دستوري سليم و متوافق مع قوانين متعلقة دولية و غيرها.  كما و يحتم إرتباط الجرائم المختلفة بإستراتيجية تقاضي معينة قد تتطلب المرحلية في المساءلة وغيرها بمعنى تسلسل إجراءات التقاضي لإيقاع أقصى العقوبة، و جبر أكبر ضرر، و إسترداد ما سلب من أموال و غيرها.  الطبيعة القانونية و الدستورية و المتطلبات الإجرائية للتقاضي و المحاكمات بعضها يغيب عن الكثيرين منا ممن لا يملكون درجة متقدمة من الفقه القانوني.  و لا يجوز معها الإستعجال لما قد يؤدي ذلك من تبرئة و سقوط أحكام في جرائم فادحة تتسبب لنا جميعاً بصدمة يصعب إحتمالها و تقبلها.  فيما عدا ما تقدم يتعين عدم الإبطاء أو التراخي أو التساهل أو التسويف أو التسامح، و ذلك لفداحة الجرم الذي أرتكب في حق الوطن، و الضرر الذي لا يمكن جبره في الكثير الكثير من الأحيان.

3. الإبراء: و تعني هنا نقض و إزالة ما تبقى من بنى و آليات و ممارسات مستقرة تؤدي إلى الفساد ككل ما خفي عن الرقابة و المساءلة من صناديق سيادية، و آليات تزكية و ترقية و إمتيازات، و سلطات مطلقة، و إهدار للمال العام، و سوء إستغلال سلطة، و كسب غير مشروع، و إستغلال المال العام لمنافع خاصة و غيرها مما يمكن حصره من بنية الفساد التي تؤدي إلى إستمرار الفساد و إستشرائه.

4. إسترداد ما نهب من ثروات و أموال.


ثانياً: الفاسدين و تتراوح درجات الفساد التي أصابت فلول النظام كل حسب درجة “فلوليته”. فهناك من كان جزءاً من النظام الحاكم و مؤسساته و حزبه، و يجب على كل أولئك:

1. الإقصاء و العزل، إلا في حالات نادرة يقتضيها الصالح العام لحين توفر البديل.

2. المحاسبة و المساءلة و المحاكمة بحسب درجة المخالفات.

3. الحرمان من الممارسة العامة أو السياسية لمدد معينة.

4. إعادة التأهيل و فق جدول زمني يبدأ بمن ثبت عدم تورطهم بالإضرار في مصلحة الوطن، أو الفساد، و ذلك للإفادة من رصيد بعض الوطنيين و الشرفاء الذين إرتبطوا بالنظام و لم يرتبطوا بفساده و إفساده.


ثالثاً: ضحايا النظام و يشملنا كلنا جميعاً ممن أبتلينا بأمراض النظام من سلبية و تخوين و غيرها من الآفات، و التي ما فتئت تعصف بنا بعيداً عن ثورتنا بمجرد إعلان تنحي رأس النظام.

و يلزمنا جميعاً نوع خاص من التطهير يتمثل بإعلاء الوطن فوق الذات، و الإستشعار الدائم لما يجمعنا، و الحب الذي إستشعرناه تجاه الآخر حين قدم الواحد منا روحه عن طيب خاطر فداء للجماعة دونما إعتبار لديانة أو طائفة أو إنتماء.

مصر بحاجة لهذه اليد الواحدة و الحب الثوري اليوم أكثر من أي وقت مضى.  مصر بحاجة أن ننأى جميعاً بأنفسنا بعيداً عن الغريب الذي يحرص على إفشال ديموقراطيتنا حتى تبقى “إسرائيله” واحة الديموقراطية في الشرق الأوسط كما يزعم.  مصر تحتاج أن يتذكر الواحد منا أن هذا الدولار أو اليورو الذي ينفق من خلاله إنما هو مجبول بدم أخيه في مصر و غير مصر ممن سقط ضحية لآلة البطش و الإستبداد.

ما نبت من حرام فالنار أولى به، فأربأ بك أخي الثائر أو المصري أن تدنس طهارة ثورتنا بمن لا يريد بي أو بك و بمصرنا سوى الشر و الهوان.

سخرنا جميعاً من تهمة ثورة الكنتاكي و اليورو و الدولار، فأسالك بالله أن لا تكون سبباً في أن تحيل مصر الطهور مصر كنتاكي أو يورو أو دولار.

المشروع الوطني:

نجمع كلنا على أن تكون مصر الثورة دولة ديموقراطية حرة تعددية مدنية حديثة، كما نجمع جميعاً أن الدين جزء أساس من الهوية المصرية بمكونيها الرئيسيين المسلم و المسيحي.  نجمع أيضاً أن مصر الثورة يجب أن تضمن عدم تغول السلطة و إحتكارها أو إساءة إستخدامها.  مصر الثورة طاهرة نقية فينبغي أن تقوم على ضمان الشفافية و النزاهة و الرقابة و المحاسبة.

بإختصار هذه أهم ملامح النظام السياسي الذي نسعى إليه جميعاً في مصر ما بعد الثورة، فإذا كان الحال كذلك، فعلام الإستقطاب؟ و كيف نخرج بوطننا من هذا المأزق المضني و نمضي به نحو الواقع المنشود؟

الإستفتاء كرمز:

كانت التجربة الديموقراطية لمصر الثورة الحديثة الولادة في عملية الإستفتاء أهم الإنجازات إبهاراً للثورة على صعيد العالم أجمع.  أهمية هذا الإستفتاء لم تكن في المضمون السياسي و إنما كان بتحقيق الحلم بإنسانية الإنسان.  رأينا جميعاً و رأى العالم إبتهاج المصري و إفتخاره بصوته و بممارسة حقه في التعبير عن خياره السياسي.  ما يمثله الإستفتاء في بناء الروح و الشخصية و الإنسان المصري بعد الثورة يجعل للإستفتاء من القدسية ما لا يقل عن الثورة ذاتها.  أليست الكرامة و الحرية هي ما خرجنا له في ثورتنا و قضى شهداؤنا في سبيله؟  و إن كان الحال كذلك فمن يملك منا الحق في إضاعة كل هذه التضحيات و إهدار دم الشهداء؟

المضمون السياسي للإستفتاء:

حسم الإستفتاء المعالم الرئيسية لمسار التحول الديموقراطي من حالة إستثنائية فرضها سقوط النظام و سقوط مؤسسة الحكم و التي تتمثل بالحكم العسكري المؤقت، إلى النظام السياسي لدولة ديموقراطية مدنية حديثة تعددية كما ذكرنا.

الإعتراض على الإستفتاء:

من حيث المبدأ نملك جميعاً حق عدم الرضا عن نتيجة الإستفتاء، و لكن لا يملك أي منا رفض و عدم قبول أو الإذعان لما قررته الغالبية من الشعب. أما ما سمعته من إساءات و إهانات و تخوين و إتهام بالغفلة و الجهل لمن خالفنا الرأي فهذا ما ينعكس على أهلية و مصداقية صاحب الإساءة و الإدعاء.  و من تجربتي في الدول الديموقراطية فإن رفض نتيجة صندوق الإقتراع لغير سبب قانوني يطعن في نزاهة الإنتخاب هو بحد ذاته كفيل بأن يحرم المعترض من ممارسة الحق السياسي.  هذا الأمر يجب علينا جميعاً إستيعابه و هو أن قدسية صندوق الإقتراع في العملية الديموقراطية من الأهمية بمكان حتى أنها تحرم المعترض “المتعسف” من حق الممارسة الديموقراطية من أساسه، و تنفي أهليته و مصداقيتيه.  هذا معلوم بالبديهة لكل سياسي و قانوني تعامل مع التجربة الديموقراطية أو حتى تعرض لها.  هنا و هنا فقط تكمن الخطورة في المواقف التي نراها من الإستفتاء بغض النظر عن مضمونه.

و لعل أخطر ما في الأمر هو ما رأينا فيما إنتهت إليه كل تجارب الإنقلاب على صندوق الإقتراع من دموية و مآسي و إقتتال و تدمير للمشاريع الوطنية.  من هنا فإنني أحذر بما لا يدع مجالاً للشك بأن أي إنقلاب على صندوق الإقتراع و نتيجيته إنما هو خيانة للوطن و لدماء الشهداء، و تبرؤ و تنصل من مصر و ثورتها العظيمة، و ذلك بغض النظر عن قناعتك بصوابية موقفك أو رأيك من عدمه.

لهذا السبب بالتحديد أجرم أنا شخصياً كل من أقدم على هذا الإثم بسبق إصرار و دراية لا يجهلها من لديه ذرة من ثقافة.

المخرج من الأزمة:

نظراً لحداثة مصر الثورة عهداً بديموقراطية، و لإستشراء الجهل السياسي و الحرمان من الممارسة السياسية في ظل النظام المخلوع، و الخوف “غير المبرر” من المجهول لدى البعض، أرى أنه من الممكن تفهم وجهات النظر المختلفة و التخوفات حول ما أفرزه صندوق الإقتراع، مع تحفظي الشديد على ما يحمله هذا التفهم من إنعكاس سلبي على تأسيس التقاليد و الممارسة اليموقراطية.

أسست عملية الإستفتاء لتسلسل عملية بناء النظام السياسي، و إستقر الناخب المصري على أنها:

إنتخابات برلمانية

لجنة تأسيسية يشكلها البرلمان المنتخب لصياغة الدستور

إنتخابات رئأسية

و تتمثل أهم أسباب الإعتراض على نتائج الإستفتاء، و ذلك بعد الإجماع بقبول تقرير مصيره من خلال صندوق الإقتراع، بدعوى عدم جاهزية القوى السياسية و بالذات الحديثة، و الخوف من إستئثار تيار سياسي بهذه المرحلة السياسية الخطيرة التي يتم فيها تقرير شكل النظام السياسي.

ما عدا ذلك من مخاوف و دعاوي هي كلها في الحقيقة واهية و لا يعدو كونها سفسطائيات لا طائل من الخوض فيها من الأساس.

و هنا أؤكد أن التعددية السياسية و عدم إستئثار أي فصيل بالقرار السياسي هي أهم عامل تجمع عليه جميع القوى السياسية و الوطنية في مصر.  أما في غير مصر فتصر القوى “المعادية” على الإقصاء و التهميش لبعض التيارات بما يدمر مشروع الوطن و وحدته من الأساس.

القائمة الوطنية:

يعتبر حزب الوفد أقدم الأحزاب السياسية في مصر في حين يعتقد بأن جماعة الإخوان المسلمين هي أقوى الجماعات السياسية و أكثرها تأثيراً.

و أختلف شخصياً في حقيقة الأمر مع هذه التقديرات حيث أثبتت الثورة أن كل الحسابات القديمة رحلت مع رحيل النظام، و لربما كان الأداء دون المتواضع لجماعة الإخوان في إنتخابات إتحادات الطلبة للجامعات بعد الثورة مباشرة أكبر دليل على تغير الملامح السياسية و الخريطة السياسية السائدة ما قبل الثورة.  إذا أضفنا إلى ذلك أن هذه النتيجة أتت على الرغم من الأداء البطولي المتميز لشباب الإخوان في الثورة و خصوصاً في المواقف الفاصلة، لأدركنا جميعاً حجم المفاجآت التي يمكن أن تأتي بها اية إنتخابات مقبلة، و أن الإخوان ليسوا أكثر جاهزية من سواهم.

و إذا أخذنا بعين الإعتبار الأداء المبهر للقوى و الأحزاب الحديثة في جمعة الغضب الثانية، لأدركنا أن اي مطالبة بتأجيل الإنتخابات هو تعطيل و إضرار بالمشروع الوطني دونما أي مبرر أو داع على الإطلاق.

و لتحقيق المزيد من الثقة و للتشجيع على عدم تعطيل المشروع الوطني فإنني أرى أنه يتعين على جميع القوى السياسية أن تلتقي على المصلحة العليا للوطن، و تتوافق على قائمة وطنية لخوض الإنتخابات تمثل جميع القوى و التيارات و الأحزاب، و تضمن عدم تغليب تيار على آخر أو إستئثار حزب أو جماعة بسيطرة على القرار السياسي في هذه المرحلة التي تتطلب تضافر كل القوى و التيارات لصياغة مصر الثورة و إنجاح مشروعها الوطني، تماماً كما تضافرت هذه القوى جميعها في تحقيق النجاح الإعجازي بإسقاط النظام.

مصر فوق الجميع:

إن نجاح الثورة يستدعي إعلاء مصلحة الوطن فوق كل إعتبار.  هذه المصلحة و إن إختلفت الرؤى تبقى هي النسيج الذي يجمعنا جميعاً، و الذي من أجله تهون كل إختلافات و خلافات.  و حيث أن الديموقراطية و الحرية و الكرامة كلها من الأسس التي يقوم عليها مشروع الوطن، إذاً تبقى بالضرورة قواعد اللعبة الديموقراطية هي الإطار الوحيد لتوحيد الصفوف، و تقريب المواقف، و تسوية الإختلاف في الرؤى و وجهات النظر.

قبل الإستفتاء بأيام قليلة، و في إجتماع طلبته بعض القوى التي إعترضت فيما بعد على نتائج الإستفتاء، كنت حملت دعوة إلى اللجوء إلى خيار القائمة الوطنية و المشروع الوطني المشترك.

و الآن أكرر هنا ثانية دعوتي إلى الإخوة في حملة التغيير و البرادعي و مختلف القوى الوطنية و الأحزاب الصاعدة المتخوفة من خوض التجربة الديموقراطية إلى أن نجتمع جميعاً على كلمة سواء، فما يعنيني في النهاية هو المشروع الحضاري و التراث الإنساني العالمي للثورة، و ليس مجرد دستور و إنتخابات.

 

Comments

Comments are closed.