الرمز الجديد لحرية المرأة

December 6, 2006 by · Leave a Comment
Filed under: Articles, مقـــالات عربيـــة 

رحلتي من البكيني الى النقاب

الآن باللغات التالية:

English             Español            Portugês          فارسى   Kiswahili          Deutsch           Bahasa Indonesia        Français            Italiano            Čeština            Svenska           Nederlands      中文 

و اللغات التالية (عن طريق الإيميل):

Turkish, Hindi, URDU

بقلم: سارة بوكر*

ترجمة: د. نضال صقر

انا فتاة امريكية ولدت لاسرة امريكية متوسطة في احدى الولايات الريفية في الغرب الامريكي الجميل.
كاي فتاة اخرى لطالما داعبتني احلام الحياة المثيرة في صخب المدن الامريكية العملاقة.  حلم انتظرت حتى سن التاسعة عشرة لابدأ تحقيقه.

لكم كنت سعيدة عندما نجحت بتحقيق حلمي في الانتقال الى فلوريدا ومن ثم الى قبلة المشاهير والاثرياء في حي ساوث بيتش بمدينة ميامي.  كغيري من الفتيات الطموحات ركزت كل اهتمامي على مظهري حيث انحصر كل اعتقادي بان قيمتي تقتصر على جمالي.  واظبت على نظام صارم من تدريبات القوة و اللياقة لتنمية رشاقة تضفي المزيد من الرونق على جاذبيتي حتى حصلت على شهادة متخصصة لتدريب الفتيات الحريصات على الحصول على المزيد من الجمال و الرشاقة.  انتقلت الى شقة فاخرة مطلة على منظر المحيط الخلاب. واظبت على ارتياد الشواطئ و الاستمتاع بنظرات الاعجاب و عبارات الاطراء التي طالما دغدغت مسامعي. اخيرا نجحت ان احيا الحلم الذي طالما راودني بالحياة المرموقة.

مضت سنوات لاكتشف بعدها ان شعوري بالرضا عن نفسي وسعادتي كانا اّخذين بالانحدار كلما ازداد تقدمي بمقياس الجاذبية و الجمال. ادركت بعد سنوات باني اصبحت اسيرة للموضة وغدوت رهينة لمظهري.

عندما اخذت الفجوة بالاتساع بين سعادتي و بين بريق حياتي لجات الى الهروب من الواقع بتعاطي الخمور وارتياد الحفلات تارة والتأمل واسكتشاف الديانات و المعتقدات السائدة تارة اخرى و مساعدة الاخرين و الدفاع عن المستضعفين تارة ثالثة، و لكن سرعان ما اتسعت هذه الفجوة لتبدو واديا سحيق الاعماق.  بعد كثير من التامل تولدت لدي قناعة بان ملاذي لم يكن سوى مسكنا للألم وليس علاجا.

بحلول الحادي عشر من سبتمبر وما تلاها من ردود فعل لفت انتباهي ذلك الهجوم العارم على كل ما هو مسلم و الاعلان الشهير باستئناف “الحرب الصليبية الجديدة.”  لاول مرة في حياتي لفت إنتباهي شيء يسمى اسلام.  حتى تلك اللحظة كل ما عرفته عن الاسلام كان لا يتعدى احتجاب النساء باغطية تشبه الخيام واضطهاد الرجال للنساء وكثرة “الحريم” و عالم يعج بالتخلف و الارهاب.
كامراة متحمسة للدفاع عن المراة و حقوقها و كناشطة مثالية تدافع عن العدالة للجميع و بعد سعي حثيث لشهور عديدة تصادف و ان التقيت بناشط امريكي معروف بتصدره في حملات الاصلاح وتحقيق العدالة للجميع و تصديه لحملات الكراهية و الحملة ضد الاسلام. انضممت للعمل في بعض حملات هذا الناشط والتي شملت وقتها اصلاح الانتخابات و الحقوق المدنية و قضايا تتعلق بالعدالة الاجتماعية. 

تحولت حياتي كناشطة تحولا جذريا، بدلا من دفاعي عن حقوق البعض او فئة من الفئات تعلمت ان مفاهيم العدالة والحرية والاحترام هي مفاهيم لا تقتصر على فئة من البشر بعينها او كائن من الكائنات. تعلمت ان مصلحة الفرد هي جزء مكمل لمصلحة الجماعة. لاول مرة ادركت معنى “ان جميع البشر خلقوا متساوين”.  الاهم من ذلك كله اني و لأول مرة ايقنت ان الايمان هو الطريق الوحيد لادراك وحدة الكون وتساوي الخلق.  

ذات يوم عثرت بكتاب يسود لدى الكثير من الامريكيين عنه انطباعات بالغة في السلبية و هو القراّن.  في البداية وحين بدأت تصفحه لفت انتباهي اسلوبه البين البالغ الوضوح ثم ثار اعجابي ببلاغته بتبيان حقيقة الخلق و الوجود و ملك نفسي بتفصيله لعلاقة الخالق بالمخلوق.  وجدت في القرآن خطاب مباشر للقلب و الروح دون وسيط او الحاجة لكاهن.
هنا استيقظت على حقيقة ما يجري.  سعادتي والرضا العميق الذي شعرت بهما من خلال دوري وعملي مع هذا الناشط لم يكن الا نتيجة تطبيقي فعليآ لرسالة الاسلام و تجربتي في الحياة عمليا كمسلمة على الرغم من مجرد عدم تفكيري حتى تلك اللحظة باعتناق الاسلام.

دفعني فضولي الجديد لاقتناء رداء جميل طويل و غطاء للرأس يشبه زي نساء مسلمات رأيت صورهن في إحدى المجلات و تجولت بردائي الجديد في نفس الاحياء والطرقات التي كنت حتى الأمس أختال فيها مرتدية إما البكيني أو الأردية الكاشفة أو سترات العمل الأنيقة.
على الرغم من ان المارة و الوجوه و واجهات المحلات و الارصفة كلها بدت تماما كما تعودت رؤيتها، شيئاً ما كان مختلفاً كل الاختلاف، ذلك هو أنا.

لاول مرة في حياتي شعرت بالوقار كامرأة، أحسست بأن أغلالي كأسيرة لإعجاب الناس قد تحطمت، شعرت بالفرحة العارمة لرؤيتي نظرات الحيرة و الاستغراب في وجوه الناس و قد حلت محل نظرات الصائد يترقب فريسته. فجأة أحسست بالجبال قد أزيحت عن كاهلي. لم أعد مجبرة أن أقضي الساعات الطوال مشغولة بالتسوق و المكياج و صفصفة الشعر و تمارين الرشاقة. أخيرا و بعد طول عناء نلت حريتي.

من بين كل البلاد وجدت إسلامي في قلب الحي الذي غالبا ما يوصف “أكثر بقاع الأرض إباحية و انحلالا” مما أضفى على شعوري بإيماني الجديد المزيد من الإجلال و الإكبار.

على الرغم من سعادتي بارتداء الحجاب شعرت بالفضول تجاه النقاب عند رؤيتي لبعض المسلمات يرتدينه. ذات مرة سألت زوجي المسلم، و الذي كنت قد تزوجته بعد إسلامي بشهور، إن كان يجب علي إرتداء النقاب أم الإكتفاء بالحجاب الذي كنت أرتديه. أجاب زوجي بأنه، على حد علمه، هناك إجماع بين علماء المسلمين على فرضية الحجاب في حين لا يوجد ذلك الإجماع على فرضية النقاب. كان حجابي، في ذلك الوقت يتكون من عباءة تغطي سائر بدني من العنق حتى أسفل القدم و غطاء يستر كل رأسي عدا مقدمة الوجه.

بعد مرور حوالي سنة و نصف أخبرت زوجي برغبتي في ارتداء النقاب. أما سبب قراري بارتداء النقاب فقد كان إحساسي برغبتي في التقرب إلى الله و زيادة في شعوري بالإطمئنان في ازدياد حشمتي. لقيت من زوجي كل دعم حيث اصطحبني لشراء إسدال و هو رداء من الرأس حتى القدم و نقاب يغطي سائر رأسي و شعري ما عدا فتحة العينين.

سرعان ما أخذت الأنباء تتوالى عن تصريحات لسياسيين و رجال الفاتيكان و ليبراليين و ما يسمى بمدافعين عن حقوق الإنسان و الحريات كلهم أجمعوا على إدانة الحجاب في بعض الأحيان و النقاب في أحيان أخرى بدعوى أنهما يعيقان التواصل الاجتماعي حتى بلغ الأمر مؤخرا بأحد المسؤلين المصريين بأن يصف الحجاب بأنه “ردة إلى الوراء.”

في خضم هذا الهجوم المجحف على مظاهر عفة المسلمة إني لأجد هذه الحملة تعبيرا صريحا عن النفاق. خصوصا في الوقت الذي تتسابق فيه الحكومات الغربية و أدعياء حقوق الإنسان في الدفاع عن حقوق المرأة و حريتها في ظل الأنظمة التي تروج لمظاهر معينة من العفة في حين يتجاهل هؤلاء “المقاتلون من أجل الحرية” عندما تسلب المرأة من حقوقها في العمل و التعليم وغيرها من الحقوق لا لشئ إلا لإصرارها على حقها في اختيار ارتداء الحجاب أو النقاب. إنه من المذهل حقا أن تواجه المنتقبات و المحجبات و بشكل متزايد الحرمان من العمل و التعليم ليس فقط في ظل نظم شمولية كتونس و المغرب و مصر بل أيضا في عدد متزايد مما يسمى الديمقراطيات الغربية كفرنسا و هولندا و بريطانيا.

اليوم أنا ما زلت ناشطة لحقوق المرأة ، و لكنني ناشطة مسلمة، تدعو سائر نساء المسلمين للإضطلاع بواجباتهن لتوفير كل الدعم لأزواجهن و إعانتهم على دينهم. أن يحسن تربية أبنائهن كمسلمين ملتزمين حتى يكونوا أشعة هداية و منارات خير لسائر الإنسانية مرة أخرى. لنصرة الحق أي حق و لدحر الباطل أي باطل. ليقلن حقا و ليعلوا صوتهن ضد كل خطيئة. ليتمسكن بثبات بحقهن في ارتداء النقاب أو الحجاب و ليتقربن إلى خالقهن بأي القربات يبتغين. ولعله بنفس القدر من الأهمية أن يبلغن تجربتهن الشخصية في الطمأنينة التي جلبها عليهن حجابهن لأخواتهن من النساء اللاتي قد يكن حرمن من لذة هذه الطاعة أو فهم ما يعنيه الحجاب و النقاب لمن يختار أن يرتديه و سبب حبنا الشديد و تمسكنا بهذه الطاعة.

غالبية النساء المرتديات للنقاب اللاتي أعرفهن هن من نساء الغرب. بعض الأخوات المنتقبات عزباوات أما البعض الأخر فلا يجد كامل الدعم من أسرهن أو بيئتهن. ولكن ما يجمعنا كلنا على ارتداء النقاب أنه كان خيار بمحض إرادة كل منا و أن كل منا يجمع على رفض قاطع لأي إنكار لحقنا في ارتدائه.

شئنا أم أبينا فإن نساء عالمنا اليوم يعشن في خضم محيطات من الإعلام التي تروج أزياء تكشف أكثر مما تستر في كل وسائل الإعلام و في كل مكان في هذا العالم.  كامرأة ،غير مسلمة سابقآ، أنا أصر على حق جميع نساء الأرض أن يتعرفن على الحجاب و أن يعرفن فضائله تمامآ كما لا يستشرن عندما تروج لهن الإباحية.  لنساء الأرض، جميعهن، الحق كل الحق أن يعرفن مدى السعادة و الطمأنينة التي يضفيها الحجاب على حياة النساء المحجبات كما أضفاها على حياتي. 

بالأمس كان البكيني رمز تحرري في حين أنه لم يحررني سوى من حيائي و عفتي، من روحانيتي و قيمتي كمجرد شخص جدير بالإحترام.  واليوم حجابي هو عنوان حريتي لعلي أصلح في هذا الكون بعض ما أفسدت بغير قصد مني.

لم أفرح قط كفرحتي بهجري للبكيني و بريق حياة “التحرر” في ساوث بيتش لأنعم بحياة ملؤها الأمن و الوقار مع خالقي و لأن أحظى بنعمة العبودية له كسائر خلقه.  ولنفس السبب أرتدي اليوم نقابي و أعاهد خالقي أن أموت دون حقي في عبادته على الوجه الذي يرضيه عني.

النقاب اليوم هو عين حرية المرأة لتعرف من هي، ما غايتها، و ماهية العلاقة التي ترتضيها مع خالقها.

لكل النساء اللاتي استسسلمن لحملات التشهير بالحجاب و الطعن بفضائله أقول: ليس لديكن أدنى فكرة كم تفتقدن.

أما أنتم أيها المخربون أعداء الحضارة، يا من تسميتم بالصليبيين الجدد، فليس لدي ما أقول سوى: فلتعلنوا الحرب.

 ___

* سارة بوكر: ممثلة و عارضة و متسابقة رشاقة و ناشطة سابقا، هي الآن مديرة قسم الاتصالات في حركة عدالة (The March For Justice)، و مؤسسة للشبكة العالمية للأخوات (The Global Sister’s Network)، و مخرجة الوثائقي الشهير

  (The March Shock & Awe gallery) ©   يمكن مراسلة سارة عن طريق بريدها الإلكتروني:srae@marchforjustice.com